تحرير: سهام الروقي.
جئنا لهذه الحياة وكأننا ورقةٍ صافية ناصعة البياض، لم تتحدد ملامحنا ولم تتكون شخصياتنا بعد، جئنا ونحنُ لربما لم نملك اسمًا حتى ومع مرور الأيام تكونا وأُختيرت أسمائنا وبدأنا مسيرة الخوض في هذه الحياة! إن معنى سنة هذه الحياة، وفطرتها التي خلقها الله وتعاقب عليها جميع الخلق، هو أن الإنسان مُلك نفسه بعد ملك الله لهُ، هو من يختار أين يعيش وكيفما يعيش ولماذا يعيش؟ وماهي الغاية الدنيوية من وجوده على قيد الحياة، معنى ذلك في حديث أوسع هو أن يعمل كل فردٍ على تحقيق ذاته وهذا يتطلب مجهوداً عظيمًا منه، فلم يؤرخ التاريخ إلا أسماء العظماء الذين بذلوا وسعوا وعلى قدر مابذلوهُ ذُكروا، ولم يسبق أن قرأنا عن عظيمٌ أصبح عظيمٌ بالصدفة دون مجهودٌ يذكر! وفي هذا السياق يحضرني أحد أبيات المتنبي يقول فيه:
” لولا المشقةُ سادَ الناسُ كلهمُ ، الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قتالُ”، هذا على نطاقٍ واسع ولكن قد يصبح هناك إنسانٌ عظيم في عين مجتمعه الصغير وعائلته الصغيرة ومن يُحبه؛ لأنه فقط سعى لأجل نفسه وتمكن من معرفة ذاته وتحقيقها، حتى أنعكس ذلك على من حوله، أما أن يكون الإنسان فارغٌ أشبه مايكون كزجاجةٍ شفافة لا يحملُ في ذاته مايميزهُ عن غيره ولا يسعى حتى إلى ذلك بل يجري خلف كل طارئٍ ومُحدث، فنتيجةٌ ذلك شخصيةٌ مهزوزه منسلخة من المبادئ والقيم، لا يملك قوة فكريًا تُقومه، ولا حصيلة ثقافية ترشده، ولا رؤيةٌ حياتيه تحفزه، إنما تبعيٌ خلف مايتبعه الناس.
كل هذه الأدوات هي من تبني شخصية الإنسان التي هي أساسًا كانت لا شيء فلم يأتي إلا الدنيا إلا بقلبٍ وبدنٍ فقط، وبقيّ العقل يتكون مع دورات الزمان وأيام الحياة، فهذا علمٌ يُدرس وهذه ثقافة تُكتسب وهذه قيمٌ ومبادئ تنظم سلوك الفرد وأفعاله، وكل هذه الأدوات هي من تصنع عقلٌ مفكرٌ وفكرٌ متجدد ومتحدثٌ مُفوه وشخصيةٌ مستقلةٌ ودوافعّ متفردة ورؤى هادفة، والانسلاخ منها لا يُخرج إلا شخصٌ لا يفرق عن كونه حديثُ ولادةٍ إلا رقمَ عمره الذي يزيد في كل عامٍ مرة.