
هل المراهقين يعانون مشاكل مع اوزانهم؟
قبل أيام، شاهدت مقطعًا لفتاة تنصح بعدم بلع الطعام، بل الاكتفاء بمضغه ثم إخراجه من الفم، بحجة تجنب زيادة الوزن. وفي تعليقات الفيديو، تحدث البعض عن الصيام الكامل لأيام كوسيلة لفقدان الوزن، بينما تداول آخرون في منصة “إكس” نصائح غريبة مثل كيفية الإصابة بجرثومة المعدة كطريقة للتخلص من الوزن الزائد.
ما صدمني هو أن معظم هؤلاء الأشخاص كانوا أقل من 18 عامًا. هذا يدفع للتساؤل: هل غياب رقابة الأهل هو السبب في تصرفات الأطفال والمراهقين هذه؟ أم أن هناك عوامل أعمق تساهم في دفعهم لهذه الممارسات الخطيرة؟
فقدان الشهية العصابي (Anorexia Nervosa): “سرطان الاضطرابات النفسية”
عند البحث حول هذا الموضوع، اكتشفت مجتمعًا في منصة “إكس” يُسمى “إدتوت”، وهو مجموعة يتشارك فيها الأشخاص الذين يعانون من اضطراب فقدان الشهية العصابي (Anorexia Nervosa). هذا الاضطراب، الذي تم توثيقه لأول مرة عام 1873 من قبل السيد ويليام غال، يُعدّ من أخطر الاضطرابات النفسية، حتى أنه يُلقب بـ”سرطان الاضطرابات النفسية” بسبب ارتفاع معدل الوفيات المرتبط به.
المصابون بهذا الاضطراب يتسمون بانشغال دائم بأوزانهم، ويتبعون حمية غذائية قاسية جدًا، مع شعور دائم بعدم الرضا عن أجسادهم. حتى لو كانوا يعانون من انخفاض كبير في الوزن، فإنهم يرون أنفسهم بدناء. يُصاحب هذا الاضطراب غالبًا اضطراب التشوه الجسمي (Body Dysmorphic Disorder)، الذي يتمثل في الانشغال الشديد بالمظهر الخارجي، مما يؤدي إلى سلوكيات قهرية يصعب السيطرة عليها.
وفقًا لدراسة نشرتها The American Journal of Psychiatry، فإن فقدان الشهية العصابي ليس مجرد اختيار أو قرار مؤقت، بل هو مرض نفسي معقد يتطلب تدخلًا طبيًا وعلاجًا نفسيًا. المصابون يعانون من تغييرات في كيمياء الدماغ تؤثر على إدراكهم لوزنهم وشكلهم.
الثقافة المجتمعية وتأثير الإعلام
أحد الجوانب المثيرة للقلق هو تأثير الثقافة الآسيوية، خاصة الكورية، على هؤلاء الشباب. لاحظت خلال البحث أن العديد من المصابين بفقدان الشهية العصابي مهووسون بثقافة النحافة الشديدة المنتشرة في كوريا الجنوبية واليابان، حيث يُعتبر الوزن المنخفض معيارًا للجمال.
- على سبيل المثال، وفقًا لتقرير من BBC News، فإن العديد من المشاهير الآسيويين يُظهرون معايير جمال مستحيلة التحقيق، مما يدفع الشباب إلى تبني أنظمة غذائية صارمة وخطيرة.
- دراسة أخرى نشرتها The International Journal of Eating Disorders كشفت أن التعرض المستمر لصور المشاهير النحيفين يزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات الأكل بين المراهقين.
التأثير على الأطفال والمراهقين :
ما يثير القلق الأكبر هو أن أغلب الممارسين لهذه السلوكيات الخطرة هم مراهقون، تقل أعمارهم عن 18 عامًا. هذا العمر الحساس يجعلهم عرضة للتأثير السلبي من وسائل الإعلام ومجموعات الإنترنت.
- تأثير منصات التواصل الاجتماعي: دراسة نُشرت في Journal of Adolescence أظهرت أن التعرض المستمر لمحتوى يشجع على فقدان الوزن السريع يزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات الأكل.
-غياب الرقابة الأسرية:قلة التوجيه أو غياب النقاش المفتوح حول مخاطر مثل هذه السلوكيات يجعل الأطفال أكثر عرضة للتأثر بهذه الأفكار.
ما الحل؟
الحلول ليست بسيطة، لكنها تتطلب جهودًا متضافرة على عدة مستويات:
- التوعية الأسرية: يجب على الأهل مراقبة المحتوى الذي يتعرض له أطفالهم، وتشجيعهم على تقبل أجسادهم.
- الإعلام المسؤول:يجب على وسائل الإعلام تسليط الضوء على مخاطر هذه الظواهر، والحد من الترويج لصورة غير واقعية للجمال.
- الدعم النفسي: توفير مراكز علاج نفسي متخصص لاضطرابات الأكل، وزيادة الوعي بأنها اضطرابات نفسية خطيرة وليست مجرد “خيارات شخصية”.
حرمان الطعام ليس طبيعيًا، بل هو انعكاس لمشكلات نفسية عميقة قد تتفاقم بسبب الضغط الاجتماعي والإعلامي. ما نحتاجه هو التوعية والتدخل المبكر لحماية الأجيال الجديدة من الوقوع في دوامة هذه السلوكيات الخطيرة.
الكاتبة : وئام الهوساوي
تدقيق : هند أحمـد