قفل وذاكرة متجددة
“تُشفى من ماضيك، حتى تتحدث عنه وكأنه يخصُّ شخصًا آخر .”
استوقفني هذا الاقتباس، مليء بالحقائق ولكن جعل قلمي يبدأ بالكتابة دون تفكير!
أحياناً تكون الكتابة ملجأ لكلماتُنا، ولأفكارنا، ولتجارب عشناها أو عاشها أحدٌ من حولنا، وأيضاً قد تكون قصة قرأناها أو موقف شهدناه ومنه استنبطنا نصوصنا، فإن للكاتب إلهام؛ كما لرسام إلهام، وكما للمؤلِف إلهام مؤلِف قصص أو لحن موسيقا، ولكن جميعها تكون نتيجة شيء حرك دواخلنا ومشاعرنا.
مُنذ أن كنت طفلة كنت أجلس على كرسي من حديد ورائحة التربة رطبة بسبب المطر أو بسبب ريّ الزرع
وحمامٌ يطير ويقف على أعمدة وسلك الكهرباء
أتأملها بحذر لاتلتمس من الكهرباء ولكنها تعود تطير حُرة.
فلطالما تمنيت أن أكون طيراً، أو أن أجلس على أجنحة طائر عملاق يدور بيّ ويدور ولكن هذا جميعه تأمل طفلة صغيرة وبعدها أذهب وأغني بكلمات شاعرية، أؤلِفها بسبب التأمل والاستمتاع مع ذاتي.
وفجأة!
أجدني في سن المراهقة أكتب وأؤلِف، وهُناك رسامون يرسمون وطقوسهم مميزة كصديقة أعرفها، اسمها -وئام- فهي ترسم بفنٍ مميز ورائع ترسم دون ملامح وتستشعر روح الرسمة، ترسم وتارةً تحتسي الشاي على صوت أغنيات هادئة، وتاركً ترسم وتشرب الماتشا وهي تستمع لبودكاست مُعين، وتارةً مسلسل سوري يرافق رحلة لوحتها، وأجدها مُلهِمة في مجالها فعندما تبدأ، تبدأ بكل حُب وصدق تجاة لوحاتها وأشهد على ذلك.
فوجدت أن شغف الرسامين ينبع من طقوسهم وتهيئة أنفسهم للرسم وحُبهم النابغ من قلوبهم لهذا الفن، بعكس العازفون والكُتّاب والمؤلِفون أجدهم حالِمون بـسماءٍ من خيال وواقعٍ مرير وقد يكون واقع حلواً أيضاً.
أقدّر الفنون بكل أشكالها لاعتقادي بأنه ليس هُناك فنان لم يعبّر في فنه عن ولو قليل مِمَا عاش، ولو تفصيلاً صغيراً لا يلحظه المتلقون لهذا الفن ولكن يلحظه وبشدة ذلك الفنان.
وقد قالت ليّ معلمة في مرحلتي الثانوية:
“قولي الحمدلله ياريناد لأنك تكتبين وتفرغين مشاعرك بأيّ شكل، عكس من هم لايعلمون أين يفرغون مشاعرهم”.
فتقديراً للفن خصصت مقالتي اليوم له ولو بشكلٍ بسيط أريد أن يزداد الفنانون والفن بجميع أنواعه
أريد أن تسطع سماؤنا نوراً وبهجةً وسروراً بانتمائنا لذواتنا وتصالحنا مع كل أخطاؤنا سواءً فنان أو غيره
فجميعنا نستطيع أن ننتمي لأنفسنا وننسلِخ من تجاربنا السيئة بعدما نتعلم منها ونجعلها في حياتنا كحدث عابر يشهد عن وعينا وزيادة رُقينا لا أن يُدمِرُنا.
فلِنُحرر قفل ذاكرتنا ونجدد أفكارنا ونتجرد من كل مايؤثر سلباً علينا، لتكون ذاكرتنا متجددة بالعطاء بالحُب والحياة والتقـبُـل.
- الكاتبة: ريناد آل منسي
- المدققة: غدي العصيلي