النسخة الاصغر
في أحد الأيام، وبينما كنت أتصفح تطبيق “تيك توك”، فوجئت بسؤال شدّني: “ماذا لو التقيت بنسختك الأصغر؟ ماذا كنت ستقول لها؟” ربما سأضيف سؤالاً آخر: “هل تتمنى أن تعود طفلاً لكن بنضج الكبار الذي تتمتع به الآن؟”
أعترف بأن هذا السؤال لطالما شغل فكري، وكنت أطيل التأمل فيه، ولعلني أخيراً توصلت إلى إجابة تهدئ فضولي وتلامس إدراكي.
إذا التقيت بنسختي الأصغر، نوال الطفلة، سأحدثها عن الأحلام التي كانت تملأ مخيلتي، تلك التي حققت بعضها بفضل الله، وتعثرت في تحقيق بعضها الآخر، سأحدثها عن أصدقاء خابت فيهم الظنون، وآخرين كانوا أجمل بكثير مما توقعت، سأخبرها أن الحياة لا تنتهي مشكلاتها بقطعة حلوى، وأن الأب ليس صاحب مصباح علاء الدين كما كنا نعتقد، بل هو بطلنا الأول رغم كل شيء، لكنه بشر، يعجز عن تلبية كل الأمنيات.
عندما كنت طفلة، كان أبي بنظري يمتلك ذلك المصباح السحري؛ كل شيء أريده، أطلبه منه، فيحضره لي. في عقلي الصغير، كان الأب هو الأمل والحلم المتحقق. لكن مع الكبر، أدركت أن الأحلام تكبر وتتجاوز قدرات الأبطال في حياتنا، وتصبح أكثر تعقيداً.
سأخبرها أيضاً عن عالم الكبار؛ ذلك العالم الممل المثقل بفرط الإدراك والانشغال. عالم لا يكاد يستمتع باللحظة الحاضرة، بل يظل غارقاً في ذكريات الماضي أو قلق المستقبل. تذكرت هنا ما قرأته في أحد كتب الصحة النفسية، حيث ورد أن الكبار يجب أن يقتدوا بالصغار في استمتاعهم باللحظة الحالية، بلا هموم ماضية أو هواجس مستقبلية.
أما سؤالي: ماذا لو عُدنا أطفالاً، لكن بعقلية الناضجين؟
هذا السؤال دائماً يتردد في داخلي، وأظن أن إجابته تكمن في أن جمال الطفولة نبع من براءتها وغياب الوعي بحقيقة الحياة. لقد كانت الطفولة جميلة لأننا لم نكن ندرك كل شيء، وكنا نعيش بهدوء وسلام بعيداً عن تعقيدات الواقع.
بقلم: نوال المطيري