ستة أضاءوا الكون كما لو كانوا شمسًا واحدة، مابين السماوات والأرضون السبع.
يتغير الحال من حال، وتتبدل الأزمان، والأشخاص، وتتشكل الظواهر الكونية، وتسير مئات القرون باخلةً بمثل هؤلاء.
وهم كالجبال الراسيات الشامخات التي لاتصدع مهما عصفت بهم طبيعة هذا الكون، ومن تدخل البشر باستخدام أدوات حديثة محاولةٍ تأسيس بنيان أخرى أكثر حداثة، ومواكبة في مناهج متجددة، ومعارف حقلية ناشئة.
هم من قوّموا وأشادوا الحضارة، بدقة كلماتهم، وقوة فطنتهم، وعظم ثقل منهجهم، ومن وضعوا إحدى معجزات الحضارات والأديان بصورة أدق.
بل لو اجتمعت مئات الالاف لم يخرجوا كمثل دقة كتابٍ واحد اخرجه واحد منهم.
إذًا من هؤلاء؟
هم
الإمام البخاري، الإمام مسلم، الإمام أبو داود، الإمام الترمذي، الإمام النسائي، الإمام ابن ماجه. رضوان الله عليهم.
قد أجمعوا على وضع أحاديث المتصلة المرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم وغير المتصلة.
والآثار الموقوفة على الصحابة ومابعدهم من القرون التابعين وأتباع التابعين.
ومن تأصيل العلوم الإسلامية، عاملةً على استقرار المنهج السني بعد حفظ الله جل علا.
الذي مابات حتى انتشر ما أخرجوه، إلى بقاع الكون كافةً سواء من مستشرقين، أو علماء، ادباء، بل من قساوسة النصارى.
وكلَّ كتابٍ قد ظهر بطريقة متمايزة مختلف في منهج منفرد به.
ومنها اسمٌ لم يبقَ عربي ولا اعجميّ حتى تألف حواسه لاسمه! وهو البخاري الذي لم يقترن نصًا وبجواره”صححه البخاري” حتى نتيقن به ونسلم له أمر دنيانا وآخرتنا من جنةٍ ونارٍ..
إذًا لماذا هو ولم يكن غيره؟
إن الكلمات والحروف تتهاوى وتعجز عن وصف ما أخرجه من فطنة وذهانة وحنكة لا مثيل لها.
فقد خرج ذلك الشخص مع أمه وأخيه، أحمد قاصدًا مكة للعبادة، فلم يأبى الرجوع وأصر على مضي حياةٍ تزدهر بالعلم لطلب الحديث ،ولاشيئًا يشغلهُ غير ذلك، يخرج كتابًا يأبى التاريخ طمسه.
فاسمه أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، وقد نشأ يتيمًا.
ولم يُؤلف كتابًا مثله أو حتى مايقاربه في دقته حتى هذه اللحظة، وُلِد العالِم ١٩٤هـ في نهاية القرن العالم الثاني من الهجرة، أي منذ ألف ومئتان سنة لم يؤلف مثله، فقد قال البخاري عن كتابه “جعلته حجة بيني وبين الله عز وجل”
وهو أول كتابًا يجمع بين السير والأحكام والزهد والرقائق والأدب، والكثير من الأوصاف والمعاني والعبقرية المدهشة قد تفرد بها دون غيره، بفضل الله ثم ماسخره في هذا الشخص من عقلٍ نادرٍ، الذي لايخرج في أي زمان ومكان!
،وتجلى نوره في العالمين أجمع.
وقد تتلمذ وخرج على يديه الإمام مسلم، وتميز بكتابٍ فذٍ أخرجه، بل كانت مقدمة كتابه من أوائل المقدمات العلمية المنهجية، على المستوى العالمي وأن تكون النموذج الأمثل والأكمل في علم المقدمات.
ومايميز هؤلاء العلماء في خطابهم للقارئ وتلمس عواطفه وبما يليق بعقله ونضوجه.
فيقول الإمام مسلم “فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك”، ومن ثم يسرد له من الأحاديث البينة،
وقد اعتلوا في سماءنا طيلة الأزمنة، وتحلق التلامذة فرادى وقِطاب، ينهلون من كتبهم في الأدب والتراث والتاريخ والآثار، والسيَر الذاتية.
فهؤلاء العصب الأساسي في الحضارة العربية، والتاريخ حقًا منذ هجرته صلى الله عليه وسلم حتى الان، وإذًا فلابد من تجديد عهدنا بهم.
الكاتبة: رحاب
المدققة: غدي العصيلي