في سنتها الجامعية الأولى، دخلت نورة قاعة الدرس على استحياء، جلست على أقرب مقعد، مسحت على شعرها وعدلت قميصها الأبيض ذو الياقة المنسدلة على كتفها على شكل حرف V بالإنجليزية، أخرجت علكة بنكهة النعناع، ألقت بها في فمها، مضغتها بهدوء، ثم تناولت عطرها الصباحيّ بنكهة الورد والفانيلا، رشت على نحرها وخلف أذنيها ونقطت القليل على رسغها، تنفست باسترخاء. تمتلك نورة ابتسامةً هادئةً وعينان واسعتان، وشعر اسود قاتم مرتب على هيئة ذيل حصان، عندما دخلت الدكتورة؛ ساد الصمت وانطلقت الأخرى في شرحها، أحسّت نورة بنقرة من أعلى الكتف، التفتت بسرعة، همست طرفة من خلفها :
– أنتِ جديدة معنا؟
هزت نورة رأسها بـ(نعم)، ساد الصمت من جديد، توطدت العلاقة بينهما بعد ذلك، تبادلا الأرقام والأحلام والهموم، تحولت طرفه من زميلة غريبة إلى صديقة مقربة، كانت نوره متأثرة كثيراً بالمشاهير، كل يوم تتصفح حساباتهم بعينان مليئتان بالذوبان، كانت تهيم في عالم الثياب الفاخرة والتجول حول العالم بحرية كما تفعل مشهورتها المفضلة سيزا، تحوّل مزاج نورة تدريجياً إلى مزاج ساخط وناقم، أبسط الأحداث في محيطها تسئمها ولاشئ يعجبها، تجادلت مع امها في احدى ليالي أبريل عندما صدمت امها بقرارها للدراسة خارج الوطن، غصت أمها بفنجان القهوة في يدها، فركت يديها في محاولة لتهدئة الذات، ارتفعت حدة النقاش حتى وصل للسباب، ازدادت المشكلة واتسعت الدائرة، شملت اخوتها وأبيها، لعنت نورة كل شئ حولها بدون استثناء، وفي بداية موسم الصيف كانت نورة تبكي لوحدها في ممر فارغ، قررت في لحظة ضعف إشراك طرفة في معضلتها عندما أخذتها طرفة إلى حضنها، باحت لها بمشكلة امها البارحة:
– انا مخنوقة … أمي ترفض أسافر لوحدي، ترفض اخرج مع صديقاتي … ابغى أكون حرة!!
كانت تلك الفرصة الذهبية لطرفة لصيد جديد:
– وين تبغين تسافرين؟
مسحت نورة عينيها بظهر كفها قالت وأنفها محمر:
– أمريكا
نظرت طرفة في عينيها مباشرة وتكلمت كمن بيده فانوس سحري:
– أنا بساعدك تسافرين.
بعدها توالت الفضفضات، وفي نهاية الفصل الدراسي الثاني؛ كانت تنتظر دورها عند مطعم الجامعة عندما همست طرفة في أذنها:
– اليوم بدخلك قروب بنات معنفات مثلك، شرايك؟
بحلقت نورة بها دون أن تفهم، ولكنها وافقت دون تردد:
– طيب
صاحت البائعة في نورة :
– طلبك جاهز
قطعت سلسلة أفكار انبثقت في رأسها ناحية اقتراح طرفة؛ ماذا يعني معنفات؟
في وقت قياسي وجدت نورة نفسها في تلك المجموعة ترغب بشكل جنوني في الهروب من الوطن، كان كل شئ جميل ومثالي، ومشرفي المجموعة طيبون، قال لها المشرف بحزم:
-؟بجهز لك خطة الهروب لكن بشروط…
خافت نورة بدايةً، للحظات ظل أصبعها مرتفعًا قبل أن تنقر بالموافقة بريبة، عندما أغلقت الهاتف أخذت نفساً عميقاً وهي تتخيل نفسها ترقص على أرصفة سان فرانسيسكو وفي يدها قالب آيسكريم، وافقت نورة على قائمة الشروط دون تفكير، في ظهيرة يوم الأربعاء، كانت نورة تصف الأكواب بجانب طبق الكبسة لأهلها عندما قالت امها وهي تغسل صحن متوسط تحت الصنبور:
– عائلة آل منيف رح يجون بكرة يخطبونك لولدهم جابر…
انزلق الكوب من يد نورة، صمتت قليلاً لتستوعب الكلمات السابقة، عندما وضعت امها الطبق جانبًا واقتربت منها بود:
– الرجل محترم ويسافر كثير، منها تستقرين يابنتي ومنها تسافرين مثل ماتحبين…
كانت لهجتها اقرب للرجاء منها للإقناع، لم ترد نورة
وخرجت من المطبخ، اغلقت باب غرفتها واتصلت بالمشرف مباشرة:
– أنا جاهزة.
كانت فكرة نورة أن تعيش بقية حياتها في تلك الدولة، لم تكن تريد سفراً مؤقتاً وحسب، وكلام والدتها الأخير سيقلب كل خططها المسبقة. وفي غضون أسبوعان كانت نورة تنزل في مطار كندا دون حقائب ولاهوية ولاشعور، كل ما كانت تشعر به هو الضياع والخوف، لُقنت بعض الجمل أمام الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، أحدثت ضجة مؤقته ثم أختفت، وجدت نورة نفسها في شوارع كندا تتأمل المارة في بلاهة خاوية اليدين، اختفى أفراد المجموعة عندما انتهت مصلحتهم معها، وتم حظرها من جميع الأرقام، بكت أمام عمال الفندق وهم يمنعونها من الدخول، ستنام هذه الليلة في الشارع، في آخر الليل أنقض عليها ثلاثة من الشبان الثملين، سحبوها للأزقة الخلفية، تم اغتصابها، تركوها عارية ملقاة على الأرض المتسخة مثل قمامة، راحت تسحب بعض الكراتين لتستر عورتها، أشفقت عليها سيدة كبيرة، أعطتها معطف وسمحت لها بالأتصال بأهلها بعد أن أنهارت نورة أمامها بكلمات هستيرية، بعد شهر ونصف، كانت نورة عائدةً تقف على بوابة المطار تتأمل وطنها في ذهول، لأول مرة تُدرك معنى متى يثق المرء بوطنه.
بقلم: عزيزة الدوسري.
1 فكرة عن “الثقة بالأوطان.”
Hi, just required you to know I he added your site to my Google bookmarks due to your layout. But seriously, I believe your internet site has 1 in the freshest theme I??ve came across.