
ماذا لو كانت “العاديّة” هي المعجزة؟
في عصرٍ يلهث خلف الإنجازات العظيمة، والأحلام الخارقة، وصور الحياة المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي، صارت كلمة “عادي” تُستعمل أحيانًا كإهانة. نحن نبحث عن كل ما هو استثنائي، نتسابق لنكون الأفضل، الأجمل، الأسرع، الأكثر نجاحًا. لكن، ماذا لو كانت “العاديّة” هي المعجزة التي غفلنا عنها؟،
تأمل صباحك المعتاد: فنجان قهوة على الطاولة، صوت الملاعق في المطبخ، ضوء الشمس يتسلّل من النافذة. لا شيء مذهل أو درامي، ومع ذلك، هذه اللحظة البسيطة هي معجزة قائمة بذاتها. أنت حيّ، تتنفس، قلبك يعمل دون أن تطلب منه ذلك، العالم من حولك يسير بإيقاع يسمح لك بأن تبدأ يومك من جديد.
المعجزات ليست دائمًا على شكل قصص خارقة للطبيعة. أحيانًا هي أن يعود طفلك من المدرسة بسلام، أن يتصل بك صديق ليسألك عن يومك، أن تجد الماء نظيفًا حين تفتح الصنبور، أن تستطيع أن تمشي على قدميك إلى أي مكان تريد.
العاديّة تمنحنا مساحة للأمان. وهي ما يجعل اللحظات الخاصة مميزة. لو كان كل يوم مليئًا بالاستثناءات، لفقد الاستثناء معناه. إن قدرتك على أن تقول “كان يومي عاديًا” تعني غالبًا أنك لم تمرّ بكارثة، لم تفقد شخصًا تحبّه، لم تعش حربًا أو جوعًا. هذا بحد ذاته امتياز لا يملكه الكثير.
إعادة اكتشاف العاديّة تعني أن نتوقف عن مطاردة “المثالي” طوال الوقت، ونفسح المجال لمشاعر الامتنان. أن نرى الحياة كما هي، بتفاصيلها الصغيرة، ونسمح لأنفسنا أن ننبهر بها. ربما عندها سنفهم أن السعادة لا تختبئ خلف الإنجازات الكبرى، بل تسكن بين رشفات الشاي، في ضحكة عابرة، في ليلة نوم هادئة.
المعجزة الحقيقية ليست أن نحيا حياة تشبه الأفلام، بل أن نتعلم حبّ الحياة كما هي — عادية، بسيطة، لكنها لنا.
للكاتبة : شروق محفوظ جبلي






