ماهو الخير؟

لقد تأملت طويلًا في معاني الخير، تلك القيم العظيمة التي غرسها الإسلام في نفوسنا، وكيف تتجاوز أعمال الخير حدود اللحظة والزمن.
الخير في الإسلام ليس مجرد فعل مؤقت أو شعور عابر؛ بل هو امتداد لا ينتهي، يمتد أثره ليصل إلى أبعد مما نتصور. هذا التأمل جعلني أعمل بجهد ودون كلل، أزرع وأحصد، أشجع وأبذل، دون أن أنتظر راحة تعقب هذا كله أو جزاءً له، فقد وجدت أن الراحة الحقيقية تكمن في قيمة هذه الأعمال، في أثرها ومعانيها، حتى لو لم أحقق في حياتي أحلامًا عظيمة أو أمنيات كنت أرجوها.

مزرعة الخير الممتدة قد تكون:

علمًا نافعًا تركناه يُنتفع به، أو ولدًا صالحًا أو ابنة صالحة يدعون لنا، أو حتى نبتة صغيرة نسيناها في الأرض فجاء طيرٌ أو دابة من دواب الأرض فأكل منها، أو ماءً وضعناه في مكان ما، فشرب منه حيوان عطشان كان يبحث عن حياة.

بل حتى الأذكار البسيطة التي نتركها في مساجد أو محطات سفر، قد يقرأها أحدهم، فتظل كلماتها تُنير درب السالكين، وتُكتب لنا أجرًا حتى بعد أن نفنى.

عمل صغير وأثر كبير

سمعتُ مرة قصة لرجل في ألمانيا علّق ورقة على أحد الجدران كتب فيها: “ما الإسلام؟ أو ماذا تريد أن تعرف عن الإسلام؟” ووضع رقمه أسفلها. لم يكن هذا العمل ليلفت الأنظار، لكنه كان بداية لتأسيس عشرات المراكز الإسلامية في ألمانيا. كم من أجرٍ حصل عليه؟
عملٌ صغيرٌ جدًا في أعيننا، لكنه عند الله كان عظيمًا، حتى نُذكر في الملأ الأعلى وفي أعظم مجلس بسبب ذلك العمل الذي اصبح في طي النسيان والذي لم نجتهد كثيرًا به.

الرضا في قيمة الخير

ليس من الضروري أن نكون من أعظم الشخصيات في التاريخ أو أن نُخلّد أسماؤنا في الكتب لتكون لنا قيمة. ليس بالضرورة أن نخترع الأجهزة العظيمة أو نُحدث التغيير الجذري لنرضى عن أنفسنا. هذا الحديث ليس إحباطًا للطموح، بل دعوة لإعادة النظر في القيم الحقيقية.

القيم الأخلاقية التي غرسها الإسلام، تلك التي تتجاوز المال والشهادات، هي التي تُشعر الإنسان بقيمته الحقيقية. حين تعلم طفلًا سورة الفاتحة، حين تنشر أذكارًا في صفحة ما تحفظ الإنسان في دنياه وآخرته، حين منحت هدية امرأة التزمت بحجابها الشرعي ستشعر بالتأكيد على معنى وجودك حقًا، وسيزداد يقينك بعد تأملك لأهل السلف وأنوار الصحابة رضوان الله عليهم.

هذه الأعمال، مهما كانت صغيرة، تظل تذكرنا أن الله يرانا، وأن الملائكة تسجلها لنا. يكفي هذا لنعلم أن قيمتنا ليست فيما يُشاهده الناس، بل فيما يُكتبه الله لنا.

القيم الحقيقية فيما نقل
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها.”
أي أن الخير يُزرع حتى في أحلك الظروف بل في لحظة سيعدم الوجود كله!
وأذكر هنا دعاء الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، الذي قال:
“اللهم اغفر لأبي هريرة ولأمي ولمن استغفر لهما.”
فقال التابعون: كنا نستغفر لهما حتى ندخل في دعوته.
وقوله جل علاه
﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
وباستطاعتنا أن ندعي بالمغفرة لمن سبقونا بالإيمان إلى قيام الساعة أي منذ آدم إلى آخر شخص على هذه الأرض ويشملني أجر كل فرد حيَا على هذه الارض وهو مؤمن بالله.
فكم من خيرات باستطاعتنا استغلالها؟
إذًا فلنجعل حياتنا مزرعة للخير. لنزرع العلم، والذكر، والابتسامة، وكل ما يمتد نفعه. حتى وإن لم نرَ ثمارها في الدنيا، يكفي مايكفي أنها مكتوبة لنا لاعلينا.

Share on facebook
مشاركة
Share on twitter
مشاركة
Share on linkedin
مشاركة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أحدث المقالات

رسالة العام

رسالة العام‏‎مثقلة بالأماني ومُلزمه بإلإلهام ووجب عليهم التفاني لتتحقق الأحلام.‏‎اطالو فيَّ النظر وعلقو الآمال أصبحت

اقرأ المزيد

اشترك في النشرة البريدية

مجلة إعلامية تقدم محتوى هادف لتنمية ثقافة المجتمع وتعزيز الفنون وتبني الموهبة في بيئة تطوعية.

تواصل معنا

feslmalhdf@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة لموقع سلم الهدف © 2020

تواصل معنا

عبق إيماني

فن