آفة التعالم

إنّ أكثر ما يُعقّد هذا العصر ويزيد الفجوة المعرفية بين المتخصصون والعلماء وبين العامة ظاهرة “التعالم”. فقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحاتً لادّعاء العلم؛ حيث يكتب البعض بسهولة ويتحدثون بثقة مفرطة، بل إنّ منهم من يؤلف كتبًا بمجرد أن وطأت قدماه ساحل المعرفة، دون أن يعمّق قدمه في بحر العلم. وحدث ولاحرج، بل المضحك المبكي فيمن يؤلف من أصحاب الشهرة، فنجد كثيرًا من المؤلفين في عصرنا يتّسمون بقصور معرفي وعلمي واضح، والتسابق المحموم لنيل صفة “المثقف” أو”العالم” أو”الكاتب” رغم أنّ التعالم هي صفة مذمومة ذات أبعاد خطيرة، خصوصًا حينما يتعلق الأمر بنصوص الدين والمقدسات.

التعالم: مرض العصر
يقول مالك بن نبي: “عانت مجتمعاتنا في عصور الضعف من الأمية والجهل، ولكنها عندما حاولت النهوض أصيبت بمرضٍ مستعصي، وهو التعالم”.
وتحدث شكيب أرسلان في كتابه “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم” وقال: “إنّ أصحاب العلم الناقص لا يدركون أنهم يجهلون، وابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم” وُوضع من أسباب تأخر المسلمين.

صفات المتعالمين
المتعالمون غالبًا ما يتحلون بمظهر جذّاب وأسلوب مقنع، يقول سبحانه: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم…) (سورة المنافقون: 4). وهذه حقيقة تنطبق على أغلب أحوالهم في حسن الشكل، وذوي فصاحة وهم المُتفيهقون، المتشدقون، ولا يحملون من العلم إلا قشوره.

إنّ الناس ينقسمون إلى أربع فئات: جاهل يدرك جهله فيُعلم، وعالم يعلم بعلمه فيزكي نفسه، وطالب علمٍ يتواضع للعلم فهو مابين وبين، وشخص انفرد لاهو بالذي يدرك جهله فيدعي المعرفة، ولاهو بالذي يتنازل للعلم وهذا هو آفة العصر.

مثال عن حياة العلماء:
جاء رجلٌ إلى الإمام مالك بن أنس، وقال له:
• يا أبا عبدالله!
• نعم.
• لقد جئتك من مسيرة ستة أشهر، وحملني أهل بلدي مسألةً لأسألك عنها.
ونضع باعتبار أنه منهكٌ من تعبٍ ولم يأت بطائرة ولاسيارة.
ثم ذكر مسألته.
فأجابه الإمام مالك: “لا أدري” “ولا أحسن جواب مسألتك”.
ذُهل الرجل وقال: “ماذا أحمل لأهل بلدي من جواب؟ أقول الإمام مالك لايدري!.
فردّ الإمام: “قل لهم: مالك لا يدري”.
وهذا وهو عالمٌ جليل لم يأبه بأنظار من حوله في مجلسه من علماءٍ وتلامذة له.
لأنه لم يجعل العلم مطية لدنيا في كسب المال والشهرة، وإنما سخر عمره في طلب العلم بجدٍ وإخلاص.

العلم بين الأمس واليوم
العلماء في الماضي، كانوا يقضون أعمارهم في طلب العلم بجدّ وإخلاص، ولم يجعلوا العلم وسيلة لكسب الشهرة أو المال. أما اليوم، فقد أصبح التعالم مطية يتسابق عليها كثيرون، بلا عمقٍ ولا إخلاص.

الكاتبة: رحاب الدوسري
المدققة: غدي العصيلي

Share on facebook
مشاركة
Share on twitter
مشاركة
Share on linkedin
مشاركة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أحدث المقالات

اشترك في النشرة البريدية

مجلة إعلامية تقدم محتوى هادف لتنمية ثقافة المجتمع وتعزيز الفنون وتبني الموهبة في بيئة تطوعية.

تواصل معنا

feslmalhdf@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة لموقع سلم الهدف © 2020

تواصل معنا

عبق إيماني

فن