{قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ . اللَّـهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-3].

ذكر في سبب نزول هذه السورة: أن المشركين أو اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم: صف لنا ربك؟ فأنزل الله هذه السورة.
وفي تفسير الآيات: {قُلْ}: الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، وللأمة أيضًا.
{هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ}: {هُوَ }: ضمير الشأن عند المُعربين، ولفظ الجلالة {اللَّـهُ }: هو خبر المبتدأ، و{أَحَدٌ}: خبر ثان.
{اللَّـهُ الصَّمَدُ}، جملة مستقلة: بيّن الله تعالى أنه {الصَّمَدُ}، أجمع ما قيل في معناه: أنه الكامل في صفاته، الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، فقد روي عن ابن عباس أن {الصَّمَدُ} هو الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في عزته، الكامل في قدرته …إلى آخر ما ذكر في الأثر، وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات لأنه كامل، وورد أيضًا في تفسيرها أن {الصَّمَدُ}: هو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وهذا يعني أن جميع المخلوقات مفتقرة إليه، وعلى هذا فيكون المعنى الجامع للصمد هو: الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته.
{اللَّـهُ أَحَدٌ}: أي هو الله الذي تتحدثون عنه وتسألون عنه، {أَحَدٌ} أي: متوحد بجلاله وعظمته، ليس له مثيل، وليس له شريك، بل هو متفرد بالجلال والعظمة عز وجل.
{لَمْ يَلِدْ}: لأنه جل وعلا لا مثيل له، والولد مشتق من والده وجزء منه، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فاطمة: «إنها بَضْعَةٌ مني» (البخاري [3729] ومسلم [2449])، والله جل وعلا لا مثيل له، ثم إن الولد إنما يكون للحاجة إليه إما في المعونة على مكابدة الدنيا، وإما في الحاجة إلى بقاء النسل، والله عز وجل مستغنٍ عن ذلك؛ فلهذا لم يلد؛ لأنه لا مثيل له؛ ولأنه عز وجل مستغنٍ عن كل أحد، وقد أشار الله عز وجل إلى امتناع ولادته أيضًا في قوله تعالى: {أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام:101]، فالولد يحتاج إلى صاحبة تلده، وكذلك هو خالق كل شيء، فإذا كان خالق كل شيء فكل شيء منفصل عنه بائن منه، وفي قوله: {لَمْ يَلِدْ} رد على ثلاث طوائف منحرفة من بني آدم، وهم: المشركون، واليهود، والنصارى؛ لأن المشركين جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، وقالوا: إن الملائكة بنات الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، فكذبهم الله بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} لأنه عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء، فكيف يكون مولوداً؟
{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: أي لم يكن له أحد مساويًا في جميع صفاته، فنفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه أن يكون والدًا، أو مولودًا، أو له مثيل.
وهذه السورة لها فضل عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنها تعدل ثلث القرآن» (البخاري [5015] ومسلم [811])، لكنها تعدله ولا تقوم مقامه، فهي تعدل ثلث القرآن لكن لا تقوم مقام ثلث القرآن، بدليل أن الإنسان لو كررها في الصلاة الفريضة ثلاث مرات لم تكفه عن الفاتحة، مع أنه إذا قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله، لكنها لا تجزىء عنه، ولا تستغرب أن يكون الشيء معادلًا للشيء ولا يجزىء عنه.
فها هو النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فكأنما أعتق أربعة أنفس من بني إسماعيل، أو من ولد إسماعيل» (مسلم [2693])، ومع ذلك لو كان عليه رقبة كفارة، وقال هذا الذكر، لم يكفه عن الكفارة فلا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون قائمًا مقامه في الإجزاء.
هذه السورة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ بها في الركعة الثانية في سنة الفجر، وفي سنة المغرب، وفي ركعتي الطواف، وكذلك يقرأ بها في الوتر، لأنها مبنية على الإخلاص التام لله، ولهذا تسمى سورة الإخلاص.

ندى الجعوني

Share on facebook
مشاركة
Share on twitter
مشاركة
Share on linkedin
مشاركة

التعليقات :

1 فكرة عن “تفسير سورة اﻹخلاص”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أحدث المقالات

اشترك في النشرة البريدية

مجلة إعلامية تقدم محتوى هادف لتنمية ثقافة المجتمع وتعزيز الفنون وتبني الموهبة في بيئة تطوعية.

تواصل معنا

feslmalhdf@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة لموقع سلم الهدف © 2020

تواصل معنا

عبق إيماني

فن