ظلال الإعلام
تخيل مجموعة من الأشخاص الذين عاشوا طوال حياتهم مسجونين داخل كهف مظلم. كل ما يعرفونه عن العالم الخارجي هو الظلال التي تُلقى على جدار الكهف من ضوء خافت خلفهم يرونه.
بالنسبة لهؤلاء السجناء، تمثّل هذه الظلال الحقيقة الوحيدة عن مايحدث خارج هذا الكهف.
ولكن إذا تمكن أحدهم من الهروب من الكهف ورأى العالم الحقيقي!، لاكتشف أن ما اعتقده حقيقة حول الظلال لم يكن سوى وهم. وعند عودته لإخبار الآخرين، سيُواجَه بالرفض والتشكيك، لأنهم غير مستعدين لتقبل ما لم يشاهدوه بأنفسهم.
هذه الرؤية التي نسجها أفلاطون في “أسطورة الكهف” تمثل صراعاً أبدياً بين الجهل والحقيقة، وبين الإدراك المبني على الحواس والمعرفة الناتجة عن التأمل والبحث العميق. فالظلال الذي كان السجناء يعتقدون أنه الحقيقة يتشابه تماماً مع الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تلاعبها بالحقائق.
كما عاش السجناء حياتهم وهم يرون ظلالاً ويظنون أنها الحقيقة، يقوم الإعلام الحديث بدور مشابه في تقديم أجزاء محددة من الحقيقة بطريقة تفسر الواقع وفق مصالح معينة.
فكيف يبني الإعلام الحقائق؟
يتم ذلك عبر مفهوم “البناء الاجتماعي للواقع”. الإعلام يعمل على بناء واقعنا، ولكن هل هذه التصورات مبنية على مجرد انعكاسات مجتزأة؟
إذ أن قاعدة أساسية في الإعلام تؤكد أنه ليس هناك إعلام محايد؛ فكل رسالة تصلنا لها مصالحها الخاصة، والرسالة: هي مانقرأه ومانشاهده وما نسمعه عبرها وهي ماتبنى عليه تصورات ووعينا ومعرفتنا بوعي ودون وعي منا.
كما نعلم أن وسائل الإعلام تُعدّ من المصادر الأساسية في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات. فهي تعمل على بناء المعاني والرموز عبر مفاهيم وسياقات محددة تشكل تفكير الفرد حول واقعه ومنظوره للحياة. فهي تؤطر الفكر وتوجهه.
فهل هذا الوعي الذي نملكه يعكس الحقيقة أم أنه مشوه دون أن ندرك ذلك بسبب تأثير وسائل الإعلام؟
وهل سنكون أحد السجناء في قصة أفلاطون الذي شذ عن الطريق واكتشف نور العلم الحقيقي من خلال البحث العميق والتأمل؟
أم سنبقى مكتفين بالإجابات التي تقدمها لنا وسائل الإعلام؟
نعم، يمكنك التحرر من تأثير الإعلام المضلل. لكن الأمر ليس سهلًا فمعرفتك لابد أن تغوص في الكتب الموثوقة، الأبحاث، والأشخاص ذوي العلم والخبرة.
وتطوير التفكير النقدي تجاه ما يصلك من رسائل إعلامية بتنا نراها بديهية من حق أو باطل.
إذ لدينا قلوب وهي العقل كما أخبرنا ديننا، فهل نفقه بها؟ وهل لنا أعين نبصر بها؟ وآذان نسمع بها حقيقة واقعنا؟ أم أننا مجرد صم بكم عمي، نأخذ معرفتنا من وسائل الإعلام التي تبني سلوك كل واحد منا.
علينا أن نتجاوز حقيقة ظلال الإعلام، فهي ليست سوى آلة تتقدم والإنسان يتراجع.
الكاتبة: رحاب الدوسري
المدققة: غدي العصيلي