لغة الضاد
أعطني لغة تملك في معجمها خمسمائة اسم للأسد، أو ثلاث مئة للسيف، أو مائتين للناقة، بل اعطني ثلاثون كلمة تدل على اسم شيءٍ واحد كمثل السحاب والغيم، فمن أسماء السحاب الحنطريرة، اليعبوب، الدجن، المزن.
يصف أبو صخر الهذلي الدجن وتعني إِلباسُ الغيمِ الأَرضَ وأَقطارَ السماء أي ظل الغيم على الأرض. فيقول”ولذائذ معسولة في ريقةٍ- وصبًا لنا كدجان يوم ماطرٍ”.
وتضيق هذه اللغة الجليلة الواسعة عن حاجاتنا، فلا نعرف إلا أداة واحدة أو أداتين التي يضمها هذا المحيط الهائل من المعاني والألفاظ والمرادفات.
ومن ذلك يجب علينا أن نعود بطريقنا لهذه اللغة الفذة العظيمة وأن نبحر بها ونتلمس معانيها وألفاظها. والانسان يكون حديثه بمقدار عقله.
فكما يقولون الروح عِماد البدن، والعِلم عِماد الروح، والبيان عِماد العلم.
قال البعض عن البيان: “هي المعاني القائمة في صدور الناس المتصوَّرة في أذهانهم والمتخلِّجة في نفوسهم، والمتّصلة بخواطرهم، والحادثة عن فكِرهم، مستورةٌ خفية، وبعيدةٌ وحشية، محجوبةٌ مكنونة، وموجودةٌ في معنى معدومةٍ”.
فيحيا البيان والكلام الفصيح ودقة الأوصاف باستعمالنا لها وكثرة تردادها ولاتتكون تلك الثمرة إلا في تدبر وتأمل أشعار العرب قديمًا وخطبهم وأدبهم بل أيضًا في مناظراتهم .وقراءة كتب البلغاء والعلماء الجهابذة.
وعلى قَدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، وحسن الاختصار، ودقة المدخل، يكونُ إظهار المعنى. وبذلك نطق إعجاز القران، وتفاخرت العرب وتفاضلت أصناف اللغة وعِظمها وفي استدامتها.
فلناس تنوعٌ وتباينٌ في اختيار كلماته واستظهار عمق المعاني، وفي استطاعته أن ينقذ غيره من تخبط أحواله ومن خواطر نفسية عجِز الصفحُ عنها قد ضاقت به الأرض بما رحبت، فتأتيه تلك الكلمات والنصوص تنسج رؤى خواطره، وما تختلج به نفسهُ،واصفًا حاله، بكلماتٍ ونصوصٍ يتمثلها، وتتسطر الأحرف التي تركبت في تاريخ البشرية، خارجةً من نفسٍ إنسانية في سالف الدهر.
وكثير من الخلق لايعرفون حسن مواضع الكلام، ولا التخلق بآداب الكلام، والمعظم من يحسن الإسهاب والهذر والإطالة والتكرار والحديث الذي لانفع له”اللغو”
فيُحدثنا عبدالله بن مسعود يقول؛حدِّث النّاس ماحدَجوك بأبصارهم، وأذِنوا لك بأسماعهم، ولحظوك بأبصارهم، وإذا رأيت منهم فترةً فأمسك.
وهذه حقًا من النصوص التي نحتاجها في حوارنا وطريقة حديثنا مع الآخر، حتى لاتشعره بالتململ وأنت تحاول لفت الانتباه بحديثك، وإن شعرت في داخلك بأهميته، ومن رغبةٍ ملحّة بالتلفظ بها.
ويجب علينا حسن اختيار الأوقات التي نتحدث بها كما يقولون لكل مقالٍ مقام.
ويُقال أيضًا لايعادُ الحديث مرتين، وعن أحد العلماء الكِبار الزُّهري يخبرنا أن إعادةُ الحديث أشدُّ من نقل الصخر،ولنشاط السامعين نِهاية، وما فَضَل عن قدر الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والمَلال.
ولكن ترديد القران قصة موسى وهودٍ، وعادٍ وثمود وفي ذكر الجنة والنار لأنه خاطب جميع الأمم من العرب وأصناف العجم، وأكثرهم غبيُّ غافل، أو مُعاندُ؛ مشغول الفكر؛ ساهي القلب. فإنه يكون ترداد الكلام في بعض الحالات نافعًا كمثل موضع التهويل والتخويف، في قول الجاحظ.
وأخيرًا فهذه لغةٌ نفتخر ونعتز بها قال المتنبي
لا بِقَومي شرَفتُ بَل شرَفُو بي
وبنفسي فخرتُ لا بِجُدُودي
وبِهِم فخرٌ كُلِّ من نطق الضاد
وعوذُ الجاني، وغَوثُ الطَّريد.
وبهم عوذ الجاني، أي أن من جنى جناية وخاف على نفسه لجأ إلى قومي؛ ليأمن على نفسه.
وبهم غوث الطريد أي أنه يستغيث بالعرب فيغيثونه وينصرونه.
المصدر
كتاب معجم أسماء الأشياء
كتاب البيان والتبيين للجاحظ
كتاب النظرات للمنفلوطي