من هو الإنسان في عالمنا اليوم

من هو الانسان في عالمنا اليوم؟
قد فككت الحضارة الغربية الحديثة عن مفهوم الانسان وماهيته، وهل هو جزء لايتجزأ من هذا العالم المادي الطبيعي؟
وماهو الإنسان بالنسبة لهذا الكون الشاسع المتنوع بالكائنات الحية، وماهي سماته الأساسية واختلافه الحقيقي، هذه أسئلة جوهرية تحدَّد رؤيتنا للكون، وإن كانت بديهية بالنسبة للمسلمون لكن لابد من الإجابة عنها.
هناك عدة عوالم من الثقافات والتي تمثل جوهر الحضارة وتشكل أساسها، حيث تتضمن العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والفنون واللغة والعلوم وغيرها من التعبيرات الإنسانية التي تشكل الهوية الثقافية لشعوب معينة. وبناءً على ذلك، فإن الحضارة تنبع من التفاعل المتبادل بين الأفراد والمجتمعات والثقافات المختلفة، وتتأثر بتاريخهم وجغرافيتهم وتجاربهم وتطوراتهم الاجتماعية والثقافية. والثقافة هي الروح التي تنعم بها الحضارة، وعلى أساسها يتم بناء المجتمعات وتطويرها وتحقيق تقدمها.

تواجدت الحضارة الصينية، الهندية، إفريقيا ومناطق جغرافية واسعة تصب في قالب متشابه نوعًا ما اجتماعيًا بفعل الأطر المرجعية التي ترجع إلى دين وعادات وتقاليد محكمة غالبًا، وتأثير الدين الإسلامي العظيم بفتحه وبركاته عامة على الفرس والخليج العربي ومايجاورها من بلدان. فالموطن الآسيوي العربي حتى زمن قريب متضح لديه منبع أخلاقه وقيمه من الدين الإسلامي التي تفرعت منها عادات وتقاليد وعدة مجالات طبقت في الواقع، وطريقة تعامله مع الكون، وكيف يتصرف بانتظام من شعور نفسيّ وبتصور فطري سليم لا بفعل قانون خارجي يردعه، ويعلم قيمة وجوده وأن روحه نفخة من روح الله، ويحقق وجوده تحقيقًا نافعًا ذو قيمة، وتصوره عن الحياة واسع بالغائيات والغيبيات خارج الكون، ولايمكن اختزاله في وظيفة من وظائفه البيولوجية.
لكن عندما يلتفت الإنسان ويوجه عيناه نحو الغرب يرى حضارة تتفكك بل في حالة سائلة لاتتوقف عن السيلان ليس هنالك نظامًا واضحًا لا أخلاق ولا قيَم وليس هنالك معيار ثابت تؤول إليه أمورهم. بل حتى معنى الإنسان أساسًا تتشكل بتشكل الفلسفات المادية، الداروينية، الماركسية، التي تحط من قَدر الإنسان، التي تضاد تصور حياة الفرد الشرقي، وهي نظرة ضيقة لهذا الكون.
وبالرؤية المادية الغربية أن كل الأحاسيس الإنسانية يمكن فهمها بردها إلى المبدأ المادي الواحد، فهي مجرد تعبير عن شيء مادي يوجد في الواقع المادي، وأن كل تطور يتوقف على الظروف المادية والاقتصادية، ونوع الإنتاج في الحياة المادية شرط تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والعقلية على العموم.
فالبناء الفكري والعقلي والنفسي يُردُّ، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، إلى المادة.
باختصار شديد تطور عقلك وفكرك يُرد إلى المادة لا غائية أو مفهوم غيبي/ديني
وقد يكون الإنسان مجرد “قوة من قوى الطبيعة” ومراحل هذه الرؤية خطيرة فهي ترفض الإله بشكل من الأشكال وأن يُرد كل شيء إلى الإنسان أو الطبيعة، وتمنح العقل مكانة تاليه على المادة.
وقد أسقط العلم الحديث تدريجيًا هذه الفكرة على شتى مناحي الحياة والمعارف، ولم يعد يطمح إلى معرفة الكون معرفة كاملة كما كان يطمح علماء القرن التاسع عشر، فبعد مئة عام من التجارب العلمية، اكتشف الإنسان أنه كلما اكتشف وسيطر على شيء ما ظهرت له آلاف الأشياء الجديدة التي لايعرفها، كما التجربة مع الذرة في القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي، إلى الغاية الكبرى وهي تحقيق الفردوس الأرضي.

الحضارة الغربية هي الغالبة اليوم كما لايخفاكم، وتحاول أن تطبق فلسفاتها المادية الاختزالية والتي تحط الإنسان ولايهمها سوى تقدم الآله، وأن الناس كيان واحد وإنسانية واحدة خاضعة لبرنامج مادي لايهمها سوى أن تحقق أكبر قدر من الالات والمشاريع المثالية الأرضية، هو أمر يتنافى مع العقل ومع التجربة الإنسانية ومع إحساسنا بتركيبتنا وتنوعنا الإنساني، وهذه الرؤية مسيطرة في نفوس وعقول الناس كافة وعدم وعي خطورتها على المستوى الاخلاقي والاجتماعي والنفسي وتركيبة فطرة الإنسان نفسه.
فالرؤية العقلانية المادية والمادة المتحركة المتغيرة محايدة لاتتسم بالخير أو بالشر ولا بالقبح أو بالجمال. والمنظومات المعرفية والأخلاقية والجمالية التي تدعي المادية، فكل شيء خاضع لنسبية.
وختام قولنا هي أن الفكر المادي يتمحور حول مقولة”لاثبات إلا لقوانين التغيير” ، بل إننا نذهب إلى أن العقلانية المادية تؤدي في مراحلها المتقدمة إلى اللاعقلانية المادية وقد وصلنا إليها.
وتلك الكلمات دونتها ليبصر الفرد بما حوله، وهدف وغاية كل وجدان يلامسهُ، وكل تصرف يتصرفه الفرد في ظل الهيمنة المادية السائلة.
المقال مستمد من المفكر الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله.