لأجل جيل بلا عقد

إن ما نحتاج إليه في وقتنا الحالي هو تعليم الثقافة الجنسية كجزء لا يتجزأ من مجالات التعليم، فالأمر أصبح ضرورة ملحة

لعقود طويلة لم تعرف مجتمعاتنا مصطلح الثقافة الجنسية، كان الحديث عن هذا النوع من المعلومات يندرج تحت مبدأ المُحرَّم والمحظور ضمن العُرف المجتمعي، وإن وُجد في الأوساط النسائية فالأمر معقدٌ قليلاً تبعاً للتربية، فالبعض يعتقدن بأنه أمر مبتذل، وأخريات يعتقدن أنه أمر حتمي للإنجاب فقط! أما الفريق الأخير فيعتقدن بل ويؤمن إيماناً كاملاً بأنه شرع لأجل متعة الرجل فقط
وحين تتحاور النساء نجد أن البعض منهن يتحدثن بطريقة خادشة للحياء تعتقد أنها بذلك تمنح المعرفة لمن حولها! وفي الحقيقة هي تكشف عن قصتها الخاصة التي لا ينبغي أن يطلع عليها الآخرين. أما في مجتمع الرجال فالحال ليس ببعيد، يتحدث الرجال كما لو أنّ النساء أداةً بين يديهم لا تمتلك رأياً أو شعوراً! يتبادلون الحكايا حول خضوع النساء لهم وقوتهم المسببة لهذا الإخضاع.
وبذلك نرى أن الثقافة الجنسية تم حصرها فقط في حدود العلاقة الخاصة بين الزوجين، وفي ذلك تقليل كبير من معناها ومكانتها.
ولو تتبعنا المعتقدات التي تمتلكها مجتمعاتنا لوجدنا أن أصل العديد من المشاكل والظواهر نشأت بسبب ضعف هذه الثقافة أو بمعنى أصح بسبب انعدامها وانتشار الأفكار المغلوطة عوضاً عنها.، وبسبب التربية الذكورية التي تغيّب دور المرأة في العلاقة تؤمن غالبية النساء بأنهن لا يمتلكن حق الرفض أو التصريح بمتطلبات معينة تخص حياتهن الجنسية وإن كان الأمر مرتبطاً بصحتهن الجسدية، وتبعاً لذلك نشأت لدينا العديد من الظواهر كالتحرش، زواج القاصرات، الاغتصاب والاغتصاب الزوجي، تزويج المرأة لرجل يكبرها بـ 20 عاماً.
وبالطبع لكل ظاهرة مما ذكرت دوافعها الخاصة ولكن من الأسباب الرئيسية هو ضعف الثقافة الجنسية فمنذ طفولتنا يتم تغييب الجهاز التناسلي من أجسادنا، حتى أننا أبدعنا في إطلاق المسميات على أجزاء جسدنا وأكثرها شهرة ما يندرج تحت (العيْب!).
وحين نسمع عن قضية تحرش نبحث عن مبرر للمتحرش إما (طيش) أو (صغر سن)، أما الضحية فتتعرض للكثير من اللوم، وهنا ندخل في منحنى التهرب من المسؤولية حيث أن سوء التربية الجنسية أنتج لنا أجيالاً غير واعية بمعنى امتلاك الآخرين لأجسادهم وحريتهم في الرفض أو القبول تجاه ما يتعرضون له من انتهاك وإن كان الأمر تحت مسمى زواج!.
إن ما نحتاج إليه في وقتنا الحالي هو تعليم الثقافة الجنسية كجزء لا يتجزأ من مجالات التعليم، فالأمر أصبح ضرورة ملحة، ويتم ذلك من خلال تعليمها لكل مرحلة عمرية بما يتناسب مع تفكيرها وإدراكها، وبمرور الوقت ينتج لدينا جيلاً واعياً بجسده وذاته قبل أن يكون واعياً بالآخرين حوله.

إشارة:
توريث الفكر الحالي لن ينقذ الأجيال القادمة على الإطلاق بل سيجعلهم في حيرة وضياع.