أُحبُّ دائماً الخروج للمشي قليلاً عندما أكون في مزاجٍ سيء أو عندما أحتاج للتفكير في موضوع مُعين! أُرفّه عن نفسي وأستمتع بكلِّ الأشياء الجميلة حولي وأتأمّلُها وأعيشُ لحظاتي مع أُغنية أو معزوفة قريبة لقلبي، تُطبطب على أحزاني.. وهكذا أُخفف عن نفسي.
في عصرِ التاسع من يوليو خرجتُ للمشي قليلاً، الجو كان حارّاً والرطوبة العالية تُشعرني بالإختناق.. ولكن بالرغم من ذلك أُعجبتُ بتلك اللوحة الفنيّة المُرتسمة في السّماء! غيومٌ تحتضن أشعة الشّمس.. مُتناسقة التشكيل باهرة المنظر وساحرةٌ في ألوانها!، أكملتُ سيري على مضضٍ وشعوري السيء يُرافقني كنتُ بالكاد أستجمعُ شتاتي.. شعرتُ بتقلّب حُزنٍ بداخلي! وبينما كنتُ غارقاً في التفكير لمحتُ تلك الحمامة السّوداء تقف على جانب الطريق.. بدا شكلُ رأسها غريباً توقعتُ أنّها مُصابة! إقتربتُ منها أكثر ولم تُبدِ ردّة فعلٍ قوية.. فقط مشيت بضعة خطوات بعيداً عنّي! لم تُحاول الطيران.. بدَت مُستسلمة! مُنهارة! ومُتوجّعة ممّا أصابها، توقّفت قليلاً.. نظرتُ إليها مُستشعراً ألمها وكسرها وقلّة حيلتها! الأجواء عليها حارّة ومكان وجودها يُشعرها بالتهديد!، شيءٌ ما بداخلي دفعني لآتي إليها بالماء علّها ترتوي وذهبتُ لأضع لها الماء في مكان آمن.. مرّ بجانبي قطٌّ ولم أُعيره أي إهتمام كان يمشي ببطئ وكأنه للتو إستيقظَ من نومه، لم أنتبه حتّى أنه ذاهبٌ لنفس الطريق نحوها، وريثما عُدتُ لآخذها، رأيتُها مُتعلّقة في فمّ ذاكَ القط، تُصارع الموت وتحاول الفرار منه.. هرعتُ نحو القط أُريد فكّها ولكنّه هرَب بعيداً، نظرتُ بوجعٍ إليها، وهي لا زالت تملكُ بصيصاً من التعلّق بالحياة رُغم كل ما حدث بها، هُناك بين أنياب القط ظهر شيءٌ عميق بداخلها مُتشبّثٌ بالحياة!، تضايقتُ وتأثّرتُ بشدّة وفكّرتُ طويلاً في طريقي للعودة! أيقنتُ بأنّها رسالة لي، من تلكَ الحمامة التي حاولت الفرار من قبضة الموت!.
الرغبة بالعيش هي غريزة طبيعية موجودة في العمق بداخلنا.. قد تُدفن شيئاً فشيئاً كُلما تعرّضنا لظروف أو مواقف أو حتى علاقات سيئة تكسرُنا! وكلّما دُفنت أكثر كلّما زادت باللاوعي فينا فكرة عدم الرغبة بالإكمال والإستمرار بالعيش! فنرى الألوان أبيض وأسود! ونسمعُ أعذب الألحان تراتيم عزاء! وتجذبنا كلُّ الأمور السوداوية، ويلفتُنا الأشخاص الذين يُشبهونا في ذلك، وهذا الجانب المُظلم يُعمّ سواده فينا مع الوقت! ولكنّ الحقيقة “المخفية”! أننا نُريد التشبّث بالحياة وذلك يحدُث عندما نجد كلّ ما يُشعرنا بأجمل تفاصيل هذه الحياة.. شيئاً يُحفّز فينا هذه الرغبة ويُظهرها على السطح لتوقظنا من الغفلة!، فتتوقف عن الهروب، عن دفن نفسك على قيد الحياة، وعن تلاشيك المُستمر نحو الإختفاء، وشعورك بأنك جسد بيولوجي فارغ لا يحتوي سوى على قلبٍ يضخُّ دماً متكتلاً من ثقله لم تعد تشعر بآلامك العميقة!.
عندما تتوقف عن الهروب ومن ثمّ تُقرر العودة إلى نفسك لتتعرف عليها كأول مرّة.. بحُب وتفهّم وحياد لتمسك يدك بيدك.. ففي هذه المرحلة أنت لا تحتاج سواك.. وإيمانك بأنك قادرٌ على فهم كل ما حدث بحياتك، وتقبّله، دون جزع وإعراضٍ ونُكران، تكون مُستعداً عندما تُقرر أن تكون مُتحكماً بنفسك وبحياتك وتتحرر من شعورك المتراكم بأنك ضحية بائسة وقعت بين أنياب الأيام السيئة التي لا زالت تنهشُ فيك ولا تستطيع الفرار منها! فهُناك وهجٌ وقوّة فيك لم تُغذيها فأصبحت ضعيفةً هزيلة تحتاج أن تحتوي ذاتك وتضمّها وتطبطب عليها وتخبرها بأنك هُنا لأجلك أنت فقط، وعندما تسأل نفسك عن ما يُبهجك فستجد أن هُناك أشياء وتفاصيل بسيطة تُعيد إشعالَ الوهج فينا وإظهار حُبنا وتعلُّقنا بالحياة.. كـ الصلاة لله تعالى والملاذُ إليه سبحانه، شخص يهتم لأمرنا كثيراً ، العائلة ، الأصدقاء ، كلمات من قصيدة ، أُغنية ، فلم ، آلة موسيقية ، كتاب ، حيوان أليف ، إلخ.. أشياء كثيرة تحتاج منكَ أن تحتويها وتلتفت إليها والمُهم هو ألاّ تخضع وتستسلم لصوتك الداخلي الذي يُحطمك ويؤذيك ويسحبك للأسفل! إلى القاع! إلى مالانهاية من المُعاناة! لا تستمتع له وواجهه بقوة، لا تدع فيكَ ثغرةً يتسرب منها سوادٌ يغمركَ فيجعلكَ تختنق به، والنور الذي قد يُنيركَ هو مُتنفسك! ستجده أمامك عندما تفتح عينيكَ جيّداً.. وتذكّر دائماً بأنّ إيمانك بالله سُبحانه وتعالى يُعينك على كُل شيء.. وإيمانك بالتجاوز وإيمانك بنفسك وإستحقاق لما هو أفضل ينتشُلك ويرتقي بكَ للأعلى.. فالإيمان أصل الطمأنينة فإذا حظيتَ به فقد ظفرتَ بنعيمٍ عظيم.
رسالتي الأخيرة لمن يقرأ.. مهما كُنتَ مُشتتاً وتائهاً أو حزيناً مُنكسراً فتشعُر بأنك فقدت هويتك وكُل شيء، أعدُكَ بأنّك تتجاوزهُ! ثق بذلك، أنتَ إنسان، من الطبيعي أن تتقلّب من فرحٍ لحُزن وتعاسة، إستشعر الألم والحُزن عندما يبدآن التدفق بداخلك، إقضِ وقتاً بمُفردك، تنفّس بعُمق، لا تُطلق أحكاماً على نفسك.. فإن لم تتقبّل نفسك بالطبيعة التي تعيشها فلن تعيش سوى بصراعٍ في داخلك، إبتعد عن أولـٰئك الأشخاص الذين يلمعون بورديّة ويتهافتون بكلماتٍ يُقال أنّها إيجابية.. فلن تزيد كلماتهم إلا الأمرُ سوءاً.. ليس وقتهم، أن تحتاج لأن تُعبّر لا أن تقمع!.
أنتَ لستَ وحيداً أبداً ولن تكون كذلك إلا بإختيارك، مُعاناتُكَ جُزءٌ منكَ فلا تتجاهل هذا الجُزء.. نظرتُك لهذه المُعاناة مصيرية، أتُريد أن تغدو أفضل وتجد فُرصاً أكثر لترتقي وتتعلّم أم تبقى يائساً بائساً وحِملاً ثقيلاً على هذه الأرض؟ هُناك وميض أمل دائماً.. فلا تنسحب من نفسك، نحنُ نفعلُ كثيراً من الأشياء لنهرُب من مواجهة مشاكلنا وهذا ما يجعلنا نتراجع ونستسلم، لذلك لا تهرب، إستشر من يستطيع مُساعدتك من المُختصين، وأحط نفسك بأولـٰئك الذين يُشعرونك بتحسن وأمان ويتفهمون وضعك فتغدو معهم أفضل، وتذكّر جيّداً أن كُل ما تحتاجه هو الوقت والتحلّي بالصبر، لتكُن بخير.
الكاتب| أبـوعبيد الغامدي
8 أفكار عن “حمامةٌ مُنكسرة!”
Pingback: slot88 demo
Pingback: SIAM855
Pingback: Honda bf6 specs
Pingback: websites
Pingback: click here for more info
Pingback: thai massage liestal
Pingback: nagaway สล็อต
Pingback: เว็บ uplay168 คืออะไร