الإنسان والانفجار التقني

لا شك أن حاضرنا اليوم يعادل عقودًا من البحث والتصنيع، ولا شك أن إنسان اليوم يتمتع بحاضر متصاعد بالعلم والنبوغ الصناعي التقني، هذه التقدمات التقنية التي جعلت الإنسان متمرسًا في صنع الرفاهية والراحة، ونشر أساليب التسارع شيئًا فشيئا، حتى غدت الحياة سويعات، لا تكاد تسجّل في دفتر الأيام، حتى تطوى مع سجلات التاريخ. “تسارع الزمان” هذا هو المصطلح الذي نبحث عنه، وسيشرح الوضع والحالة، حتى وإن كان ذا مدلول مختلف لا يستوجب استعماله هنا. الحياة أصبحت أسرع والوصول إلى أي مَطلب أسهل.

لكن ما الذي انعكس على حياة الإنسان حينما أصيب بتخمة اللذة، وسرعة الوصول، وتوافر المغريات، للحد الذي أصبحت فيه المغريات موجودة على أرفف المحلات الافتراضية وبأبخس الأثمان. ما الذي يسعى إليه الإنسان المعاصر؟ وهل تغيرت القناعة العامة عن تعريف السعادة؟ أذكر أنّي سمعت أحد ضيوفِ لقاءٍ تلفزيونيّ يشير إلى السعادة بأنها “لحظات” لحظات فحسب، ولم يزدني الأمر قبلها قناعة مطلقًا، فإن كانت السعادة لحظات فهل كثرتها في زمن التكنولوجيا سيؤدي مؤخرًا لإبادة معناها؟ خصوصًا مع توالد اللحظات وإنتاج الدوبامين بإسراف لحظة فلحظة. 

ربما الإجابة عن التساؤلات حتمًا ستكون منطقية في حضرة ولادة مصطلح جديد وعلاج نفسي جديد وفقًا للدكتور كاميرون سيمبا، حيث يصف “صيام الدوبامين” بأنه الوصفة الجديدة لتهذيب وجود هذا الهرمون؛ فقط لتقليل الاعتمادية على الشعور بالمكافأة المستمر، وتكرار الشعور بالبهجة الوهمية، أو ربما ليس لدي الحق باستيهامها، ولكن على الأصعدة البشرية الطبيعية لن تعتبر بهجةً ذات ديمومة، وهذا السبب هو الأصل في كونها خطرة إلى حد الإدمان. جرعات تتلو جرعات من التهام أفكار ومشاعر الآخرين على الإنترنت، قد تجعل الإنسان مسخًا أدنى لا يستطيع استيعاب وضعه في كل تلك المعادلات -الذي هو خارجها- كمؤثر لا حاجة له، مجرد متلقي ومستمع، وبلا أي تردد نستطيع الجَزم بأن هذا الشعور المستمر بالتنكير و التهزيل الذاتي سيجعل الإنسان يدخل في دواماتٍ لا يريدها، يقرر خلالها مكانته الحق فلا يجد ما يعرف به نفسه، ولا ما يشكرها عليه فتتغير و تتشوه نظرته لذاته وقد نصل إلى مرحلة لا يحمد عقباها. 

تتزايد أزمة الإنسان المعاصر و فوق حدودها التحمل حينما يشعر أنه يهاجم في كيف يقضي جل يومه، ويبعث الأمر في أعين الكثير اضطرابًا واضحًا حينما يشعر أن حياة الآلة تسلبه حياته الواقعية، وأزعم أن جميع الإسقاطات على إنسان اليوم -وإن كثُرت- ما دامت لا تستجلب حلولًا واضحة تأخذ مأخذ الإصلاح، أو التعامل مع حياة جديدة بأطيافها الجيدة والسيئة؛ ستبقى إسقاطات جوفاء، لن تبني ولن تهدم، فلذلك نشجع المرء على البحث عن تقنيات للعلاج والتوسّط والاعتدال، لا إلى القطع والنزع والانعزال، وأستحث القارئ على التزود في فهم سيكلوجيته في ظل وجود مفهوم الآلة، وأن يتوقف عن إنكار فضل الفولاذية هذه أو السحابية بشكل أدق على حياة البشرية، وعليه أن يتزود في معرفة ذاته وكيف يتكيف عقله متأثرًا بنسب عالية من الدوبامين وإلى حفنة دوبامين أخرى تجترنا على الكتابة. 


بقلم: آزادة

تدقيق: غدي العصيلي

Share on facebook
مشاركة
Share on twitter
مشاركة
Share on linkedin
مشاركة

التعليقات :

47 فكرة عن “الإنسان والانفجار التقني”

  1. Pingback: asap market link

  2. Pingback: 코인정보

  3. Hey I know this is off topic but I was wondering if
    you knew of any widgets I could add to my blog that automatically tweet my newest twitter updates.

    I’ve been looking for a plug-in like this for quite some time and was
    hoping maybe you would have some experience with something like
    this. Please let me know if you run into anything. I truly enjoy reading your blog and I look forward to your new updates.

  4. Hey terrific website! Does running a blog such as this take a massive amount work?
    I have no expertise in programming but I had been hoping to start my
    own blog in the near future. Anyways, if you have any suggestions or techniques for new blog owners please share.
    I understand this is off subject nevertheless I just had to ask.
    Many thanks!

  5. Pingback: more info here

  6. Pingback: u31 เครดิตฟรี 188

  7. Pingback: Realistic tattoo Khao Lak

  8. Pingback: buy magic boom bars online

  9. An outstanding share! I have just forwarded this onto a co-worker who had
    been doing a little research on this. And he actually bought me lunch simply
    because I stumbled upon it for him… lol.

    So let me reword this…. Thank YOU for the meal!!
    But yeah, thanx for spending some time to talk about this
    matter here on your website.

  10. Excellent pieces. Keep posting such kind of info on your site.
    Im really impressed by your blog.
    Hi there, You’ve performed a fantastic job. I’ll
    definitely digg it and in my view suggest to my friends. I’m sure they’ll be benefited from this site.

  11. Pingback: pod ks lumina

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أحدث المقالات

اشترك في النشرة البريدية

مجلة إعلامية تقدم محتوى هادف لتنمية ثقافة المجتمع وتعزيز الفنون وتبني الموهبة في بيئة تطوعية.

تواصل معنا

feslmalhdf@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة لموقع سلم الهدف © 2020

تواصل معنا

عبق إيماني

فن