سائلٌ يسألُ عن أجرٍ يُعطى له

جاء بقي بن مخلد من الأندلس عابرًا بمكة وواصلت لبغداد بغية ملاقاة الإمام أحمد بن حنبل ولكنه حين وصل بلغته أخبار الإمام أحمد فماذا كان سيفعل حينها هل يعود للأندلس من جديد أو يبقى صابراً إلى أن يجمعه لقاء بالإمام أحمد ولكنه بقوة وعزيمة أبى أن يبقى مكتوف اليدين، كان الإمام أحمد مسجوناً لمدة سنتين وأربعة أشهر لرفضه موافقة الخليفة المأمون والخليفة المعتصم من بعده فكان السجن عقاباً له لعدم انصياعه لهم بقوله ‘أن القران الكريم مخلوقاً وليس بمعجزة نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم’، وكان الخليفة المعتصم يستخدم السياط لتعذيب الإمام أحمد بن حنبل.
فلما ضُرب تسعة عشر سوطًا أتاه الخليفة المعتصم وقال:
يا أحمد علامَ تقتل نفسك؟ إني والله عليك أُشفق
أتريد أن تغلب هؤلاء؟
كان بعضهم يقول ‘ويلك الخليفة قائم على رأسك’
وبعضهم يقول ‘يا أمير المؤمنين دمه في عنقي، اقتله’
فقال الخليفة المعتصم: ما تقول يا أحمد؟
فيقول الإمام أحمد: أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله.
فيعودون لضربه بالسياط مجددًا
وفي إحدى الليالي أتاه أحمد بن داود وقال: يا أبا عبدالله لك أولاد وعائلة وأنت معذور تستطيع إجابتهم بماذا يريدون
فقال له الإمام أحمد: إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت.
علم بقي بن مخلد عن الإمام أحمد بن حنبل وقصته، وعلم بأنه ممنوع من ملاقاة الناس فأصبح يأتيه بهيئة سألٍ يسألُ عن أجرٍ يُعطى له بغيةً لطلب العلم، وبقيَ بقي بن مخلد يأخذ العلم من الإمام أحمد حتى مات الخليفة المعتصم، ومن بعده الواثق، ومن بعدهم جاء المتوكل الخليفة الذي أتى وأعاد إحياء السنة بعدما دثروها الخلفاء الذين قبله، امتدت رحلات بقي بن مخلد لأربعة وثلاثين عامًا، أحدَهن أربعة عشرة عامًا والأخرى عشرون عامًا طلباً للعلم.
قد نسير بلا توقف، وقد لا نهتم لما يصيبنا من ألم، وقد نسافر عبر الزمان والمكان، ويتقدم بنا العمر دونما نشعر؛ بغية لطلب العلم فقط!
فالإنسان دون علم كقلمٍ دون حبر، فماذا يكتب وماذا سيقول إن كان لا يملك شيئاً لقوله!