“التشابهُ في الاختلاف”

أفكر أحياناً في سرّ التشابه الكامن في جُمرة الاختلاف وعُمقه.
ولأضرب مثالًا حتى تتضح الصورة أكثر:
حين أتأمل حيوات الناسِ؛ في الطُرقات، في المطارات، والقطارات، والمنتزهات العامّة، في أيّ من البلدان التي زرتها سلفًا، سواءً كانت في الشمال أو الجنوب أو ما بينهما، أو حتى حين أقرأ كتاباتٍ لأشخاصٍ من بلدانٍ مختلفة؛ ألاحظ في كل مرّة أنه بالرغم من تباعدِ المسافات بين كل بلدٍ والآخر إلا أن شيئًا ما -يبدو متشابهًا- “هنا، وهُناك”؛ في طبائع الناس، هيئاتهم، طرائقهم، وفي الحياة والمكان بشكلٍ عام وليس في الناس فحسب..
ويكادُ يكون الشبه كبيرًا لدرجة أنه للوهلة الأولى يظهر وكأنه الشيء ذاته قد نُقل من هنا، وأُخِذ إلى هناك!
أفكرّ مليًا في سرّ هذا التشابه في أوجِ الاختلاف.. ماهيّته، وأصله، وكيفية حدوثه، ومراحله.
وأجدُه من الطبيعة البشرية، الكثير من الأمور التي يقوم بها الانسان على سجيّته، ويظن أنه هو الوحيد الذي ابتكر هذه الطريقة، وقام باجتلابها من العدم؛ حتى يلاحظ بعد أن يتأمل فيما حوله أو حين يسافر ويرى العالم، أو يقرأ بتمعّنٍ في مختلف المجالات والأصعدة؛ أن طريقته الفريدة هذه -في نظره- يعرفها الكثير ويعتادونها أصلًا! وليس وحده من يعرفها ويألفها، وقد تكون طريقته ذاتها في النظر إلى الأشياء أو صُنعها؛ هي ثقافةٌ متأصلةٌ في مكانٍ ما منذ القِدم ولم يعرف عنها!
وهذا بذاتهِ مُثيرٌ للتساؤل والدهشة، ويُعيدني إلى النقطة الأولى؛ هل لابد أن يكون شيءٌ ما هنا، يشبهُ شيئًا ما في مكانٍ آخر.. دائمًا؟
أم أن كل ماحدث محضُ صدفة عابرة لا تتكرر كثيرًا..
يتبادر إلى ذهني للإجابة على هذا السؤال مقولة:
“ويخلُق من الشبه أربعين”
وأفكّر: هل يمكن أن الأربعين هذه ليست مقصورةً على أن هذا الشبه يُقصد به شخص آخر يشبهك في الخِلقة فحسب؟
هل يمكن أن يكون هذا الشبه في طريقة فهم الأشياء، وتحليلها، أو في الاهتمامات، والمسرات الصغيرة،
أو على الجانب الآخر قد تكون فيزيائية ملحوظة كالملامح والهيئةِ الظاهرة، أو مسموعةً كالأصوات وطريقة التحدّث..
أو قد يكون التشابه فقط في شعورٍ ما نشعر به حيالها حين نراها ونشعر بأنها مألوفة لنا من مكانٍ ما!

ولِمَ لا؟ فربما تكون..